العلا – 27 مايو 2025م الموافق 29 ذو القعدة 1446هـ
تُعد مدينة “قُرح” الأثرية إحدى أهم المعالم التاريخية في جنوب محافظة العُلا، وقد لعبت دورًا محوريًا في حركة قوافل الحجاج والتجار عبر العصور، بفضل موقعها الاستراتيجي ومكانتها الاقتصادية والثقافية. تقع “قُرح” على بعد نحو 20 كيلومترًا جنوب البلدة القديمة بالعُلا، قرب قرية “مغَيْراء”، وتنتشر آثارها في سهل تحيط به الجبال، مما يجعلها حلقة وصل حيوية في شبكة الطرق التجارية القديمة في الجزيرة العربية.
شهدت المدينة ازدهارًا لافتًا منذ ما قبل الإسلام، وبرزت كحاضرة رئيسية في وادي القرى، حيث كانت مركزًا للأسواق والفنون والتبادل التجاري، كما وثّق المؤرخون والجغرافيون مثل “ابن الكلبي”، و”الأصطخري”، و”المقدسي” أهمية قُرح، وعدّوها من أبرز مدن الحجاز بعد مكة والمدينة واليمامة، لما امتازت به من عمران وأسواق ونخيل وعيون مائية ونشاط تجاري متنامٍ.
ومع تعاقب القرون، بدأت معالم المدينة تتراجع تدريجيًا، وهو ما أشار إليه “ياقوت الحموي” في القرن السابع الهجري، لكنه أكد استمرار تدفق المياه وبقاء معالم المدينة قائمة كدليل على تاريخها العريق. ومع أفول اسم “قُرح”، ظهرت مدينة “العُلا” شمال الوادي، والتي حظيت بأهمية متزايدة، ووصفها الرحالة “ابن بطوطة” في القرن الثامن الهجري بأنها قرية مزدهرة، مليئة بالبساتين والمياه، وكانت محطة رئيسية للحجاج.
وتضم آثار قُرح بقايا قصور وأسواق وشوارع تعكس نمط حياة راقٍ، وتُظهر التأثيرات المعمارية الإسلامية الأولى، مما يؤكد استمرار الاستيطان بعد دخول الإسلام. كما كانت المدينة تقع على طريق “البخور” التاريخي، الذي ربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها، ما منحها دورًا استراتيجيًا في التجارة الإقليمية.
وفي إطار سعيها لإحياء التراث الوطني، تواصل الهيئة الملكية لمحافظة العُلا جهودها في دراسة وتوثيق الموقع من خلال مشاريع تنقيب ومسح أثري بالتعاون مع خبراء دوليين، بهدف الكشف عن أسرار هذه المدينة العريقة وإبرازها كمحطة حضارية بارزة في مسارات الحج والتجارة عبر التاريخ.