في قلب البلدة التاريخية بمحافظة الوجه، وعلى امتداد أزقتها العتيقة، تقف “الرواشين” كعلامة فارقة في العمارة التقليدية، تجسّد مزيجًا فريدًا من الجمال الوظيفي والذكاء البيئي، وتحكي قصة إبداع الأجداد في ابتكار حلول معمارية متكيفة مع طبيعة الساحل والظروف المناخية المتقلبة.
الرواشين ليست مجرد عناصر زخرفية، بل هي نوافذ بارزة مشغولة يدويًا من أجود أنواع الخشب، تغطي الفتحات الخارجية للمنازل وتُصمَّم بأسلوب “الأرابيسك” المذهل، وهو فن الزخرفة الهندسية المتشابكة التي تسمح بمرور الهواء والضوء، وتحافظ على الخصوصية دون التنازل عن الجمال.
في الصيف اللاهب، حين تزدحم الأزقة بالحرارة، تتحول الرواشين إلى درع واقٍ لسكان المنازل؛ تمنع دخول أشعة الشمس المباشرة، وتسمح للنسمات البحرية العليلة القادمة من البحر الأحمر بالتسرّب إلى الداخل، مما يخلق بيئة داخلية معتدلة في زمن لم تكن فيه المكيفات حاضرة.
وتحمل البلدة القديمة بمحافظة الوجه قيمة معمارية وتاريخية كبيرة، تعكس مزيجًا بين الحِرفة المحلية والتأثيرات التجارية والثقافية الناتجة عن موقعها الجغرافي على طريق الحجاج والتجار. فقد كانت قديمًا ميناءً نشطًا مرتبطًا بـ”مدائن صالح”، وممرًا للحجاج عبر البحر الأحمر، وذُكرت في مؤلفات تاريخية مهمة منها “البلدان” لليعقوبي و”نظام المرجان” للعذري.
اليوم، تقف رواشين الوجه كشاهد بصري على عبقرية الأجداد، وتمثل مصدر إلهام لمشروعات الحفاظ على التراث العمراني، ضمن جهود وطنية لإعادة الاعتبار للهندسة التقليدية بوصفها ركيزة للهوية، وعنصرًا مهمًا في تعزيز السياحة الثقافية المستدامة على سواحل المملكة.